خلال العام 1789، كانت فرنسا على موعد مع بداية ثورة غيّرت العديد من المفاهيم السياسية بالبلاد وأسفرت عن نهاية النظام الملكي وقيام الجمهورية بدلا منها. وفي الأثناء، استمرت الثورة الفرنسية نحو عشر سنوات شهدت خلالها إعدام الملك الفرنسي لويس السادس عشر (Louis XVI) يوم الواحد والعشرين من شهر يناير سنة 1793 وزوجته ماري أنطوانيت (Marie Antoinette) يوم السادس عشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر سنة 1793 عن طريق المقصلة وسقوط مئات آلاف القتلى حيث أرسل يوميا العشرات نحو المقصلة، خاصة خلال عهد لجنة السلامة العامة وفترة ماكسمليان روبسبيار (Maximilien Robespierre) لأبسط التهم، فضلا عن ذلك شهدت نفس الفترة عملية القضاء على تمرد إقليم فونديه (Vendée) الفرنسي والذي أسفر وحده عن مقتل ما يزيد عن 150 ألف شخص.
في غضون ذلك، استمرت الثورة الفرنسية قبل أن تعرف نهايتها يوم التاسع من شهر تشرين الثاني/نوفمبر سنة 1799 على يد الجنرال الفرنسي نابليون بونابرت (Napoleon Bonaparte) عقب ما عرف بانقلاب 18 برومير (Coup of 18 Brumaire) والذي سمّي كذلك نسبة ليوم 18 برومير من السنة الثامنة حسب التقويم الجمهوري الذي اعتمدته فرنسا خلال الثورة.
بعد مضي نحو عشر سنوات عن حادثة سقوط حصن الباستيل، عانت حكومة المديرين الفرنسية من مشاكل اقتصادية وعسكرية جمّة هددت بعودة الملكيين للبلاد واستلامهم للسلطة.
وأمام هذا الوضع الصعب اتجه إيمانويال جوزيف سياس (Emmanuel Joseph Sieyès) والذي كان عضوا بحكومة المديرين لتنظيم خطة لقلب النظام بالبلاد وإنقاذ ما تبقى من الثورة الفرنسية ومنع عودة الملكيين. في غضون ذلك وجد سياس في الجنرال نابليون بونابرت، الذي عاد لفرنسا حديثا عقب حملته العسكرية على مصر، ضالته حيث مثّل هذا الجنرال المحبوب لدى الفرنسيين الشخصية المثالية لقيادة الانقلاب واستلام السلطة.
يوم التاسع من شهر تشرين الثاني/نوفمبر سنة 1799، أوهم سياس بمساعدة الوزير تاليران (Talleyrand) أعضاء مجلس القدامى ومجلس الخمس مئة بوجود مخطط إرهابي يستهدف أمنهم وبموجب ذلك أجبر هؤلاء على الاجتماع خلال اليوم التالي بقصر Saint-Cloud خارج باريس بينما أوكلت مهمة تأمين العاصمة للجنرال بونابرت الذي استغل التهديد المتصاعد لعودة الملكيين ليضم وزير الداخلية جوزيف فوشيه (Joseph Fouché) للعملية الانقلابية.
وبالتزامن مع ذلك، أقدم ثلاثة حلفاء لبونابرت هم براس وسياس ودوكوس من أعضاء حكومة المديرين الخمسة على الاستقالة استعدادا للانقلاب بينما أقدمت الشرطة الفرنسية على اعتقال العضوين المتبقيين بعد اتهامهما بالتآمر ضد الدولة.
يوم العاشر من شهر تشرين الثاني/نوفمبر سنة 1799، حاصرت القوات الفرنسية قصر Saint-Cloud الذي اجتمع بداخله أعضاء مجلس الخمس مئة. وفي الأثناء رفض النواب المجتمعون تعديل الدستور حسب مطالب نابليون بونابرت، وبدلا من ذلك استقبل الجنرال الفرنسي بصيحات "يسقط الدكتاتور" حال دخوله لقاعة الاجتماعات قبل أن يتعرض في النهاية لمحاولة اغتيال فاشلة أجبرته على المغادرة.
خلال نفس الفترة، غادر لوسيان بونابرت (Lucien Bonaparte) شقيق نابليون بونابرت الذي شغل منصب رئيس مجلس الخمس مائة، قاعة الاجتماع ليلتقي بالجنود المتجمهرين خارجا ويعلمهم بوجود مخطط لاغتيال شقيقه والنواب المنتخبين بقيادة عدد من الخارجين عن القانون داخل القاعة.
وأمام هذا الوضع، اجتاحت قوات الجنرال يواكيم مورات (Joachim Murat) رفيق وصهر نابليون بونابرت قاعة الاجتماع لتنجح في إخلائها بالقوة من أعضاء مجلس الخمس مئة الذين فرّوا نحو الغابات والحدائق المجاورة.
مع حلول الليل اجتمع أعضاء مجلس القدامى وعدد من أعضاء مجلس الخمس مئة الذين جمعهم الجنود بالقوة من المناطق المجاورة لتتم في النهاية الموافقة على مطالب الجنرال بونابرت تحت طائلة التهديد.
في النهاية، وافق الأعضاء المجتمعون على حل حكومة المديرين وتكوين حكومة مؤقتة عرفت بحكومة القناصل الثلاثة برئاسة كل من نابليون بونابرت وإيمانويال جوزيف سياس وروجيه دوكوس (Roger Ducos) وبالتالي نجحت الحركة الانقلابية التي قادها نابليون بونابرت في تحقيق أهدافها.
لاحقا، اتجهت فرنسا نحو نظام دكتاتوري شبيه بذلك الذي عرفته روما قديما حيث أمر نابليون بونابرت بإعداد دستور على جناح السرعة قبل أن يحصل في النهاية على السلطة المطلقة ولقب القنصل الأول وهو في الثلاثين من عمره.
ويعين إلى جواره بشكل رمزي قنصلين آخرين هما جان جاك ريجيس دي كامباسيرس (Jean-Jacques-Régis de Cambacérès) وشارل فرانسوا لوبران (Charles-François Lebrun). ومع حلول العام 1804، اتجه نابليون بونابرت لأبعد من ذلك ليعلن نفسه إمبراطورا على فرنسا تحت مسمى نابليون الأول.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق