أحد نجوم المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الأسبوع الماضي، لم يكن رجل أعمال ولا سياسيًا، أو حتى رأسماليًا مغامرًا، لكنه كان الصحافي الشاب والمؤرخ الهولندي روتجير بريجمان (مواليد 1988).
وتحدث بريجمان موبخًا الحضور من الأثرياء، لفشلهم في الحديث عن الشيء الذي يجب أن يلقوا عليه الضوء، وهو ما هي الأسباب التي يمكن أن تجعل الناس متساوين في الثروة، كزيادة الضرائب على الحضور في دافوس!
فيديو عن حديثه الصريح هذا انتشر بسرعة في الوسائط، حيث أعيد تغريده أكثر من 47 ألف مرة.
فما هي حقيقة ما قاله ذلك الكاتب؟ وما بعد أفكاره بالضبط؟!
رجال الإطفاء والماء
النقطة التي انطلق منها بورجمان، قوله "أشعر بأنني في مؤتمر لرجال الإطفاء والجميع يتحدثون في كل شيء، لكن لا أحد يرغب في الحديث عن الماء.. أليس كذلك؟".
وأضاف: "أوقفوا الحديث عن الأعمال الخيرية والإنسانية وابدأوا الحديث عن الضرائب.. يمكن لنا أن نتحدث عن أشياء كثيرة، لكن الضريبة هي الأهم".
وكرر الكلمة أكثر من مرة.. قائلًا: "الباقي هو هراء".
نظرة خاطئة للفقر
منذ سنوات يروج هذا الصحافي لقضية أن ثمة نظرة خاطئة إلى معالجات الفقر في العالم، وأن الناس تنظر إلى العمل الخيري كما لو أنه بديل أو حل، في حين تغفل الجوانب الأخرى الأكثر أهمية كتطوير الأنظمة الديمقراطية أو الحريات أو التعليم وغيرها.
وفي نظره فإن الفقر لا يعدو كونه انتقاص "الكاش" في حين أنه لا يرتبط بالشخصية في حد ذاتها، فقياس الفقير والغني لا يتعدى القيمة المالية، فحسب "فالفقر ليس نقصًا في الشخصية إنما في المال".
يوتوبيا للواقعيين
في عام 2014 كان بريجمان قد نشر كتابه "يوتوبيا للواقعيين" الذي يحاول أن يقدم فيه تصورًا لبناء عالم مثالي في الحياة المعاصرة.
وفيه يقدم حججًا يفضح فيها الكثير من الأفكار والمعتقدات العصرية التي نظن أنها صحيحة ونمارسها دون وعي منا.
فعلى سبيل المثال كما يقول "نحن نعمل طوال اليوم في الوظائف التي غالبًا ما نكرهها لنشتري الأشياء التي لا نحتاجها".
ينظر إلى بريجمان اليوم بوصفه مفكرا أوروبيا شابا يعيد التفكير في أنظمة الاقتصاد والحياة المعاصرة لكن بأسلوب غير تقليدي، وينطلق دائمًا من فكرة تقول: علينا دائما البحث عن طرق جديدة!
الدخل الأساسي الشامل
يروج بريجمان لفكرة "الدخل الأساسي العالمي" التي تعتبر إلى اليوم نظرية مشكوكا فيها من قبل البعض، في حين يرى آخرون أنها يمكن أن تعمل بطريقة جيدة.
تقوم فكرة الدخل الأساسي العالمي/ الشامل على منح الجميع راتبًا ثابتًا بغض النظر عن وضعهم الوظيفي أو الاجتماعي، فالفقراء في نظر بريجمان لا يأكلون جيدًا وربما لا يبدعون لأنه ليس عندهم المال الأساسي لفعل ذلك.
وكان الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما من الداعين لفكرة "الدخل الأساسي الشامل" للمواطنين، بأن يحصل أي شخص على المال بمجرد أن يولد.
هذه الفكرة أثارت العديد من ردود الأفعال القوية، في حين لا تزال آثارها إلى اليوم، مثلما حركها بريجمان مجددًا في دافوس ليختبر حكمة وصبر الأثرياء في المنتدى العالمي.
مؤيدون للفكرة
هناك مؤيدون لفكرة "الدخل الأساسي" مثل السير كريستوفر بيساريدس، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2010 وهو اقتصادي بريطاني من أصل قبرصي.
دعا بيساريدس في دافوس نفسه في عام 2016 إلى تطوير نظام جديد لإعادة توزيع الثروة وأيّد مفهوم الدخل الأساسي لحل الكثير من المشكلات.
ويرى أن حصول الناس على الأساسيات كأن يأكلوا جيدًا ويتعلموا ويتعالجوا وغيرها سوف يحل الكثير من المشاكل في العالم.
فيل في الغرفة
في الستينات من القرن العشرين طوّر عالم الاقتصاد الأميركي ميلتون فريدمان الحائز على نوبل أيضا في عام 1976 فكرة الدخل الأساسي الشامل في نظرية متخصصة.
ومنذ ذلك الوقت وإلى اليوم فهي تختبر من وقت لآخر دون أن تكون قد أصبحت واقعًا ملموسًا.
يرى بريجمان في كتابه أن كل حدث في التاريخ كان ذات يوم يوتويبا أو خيالًا غير قابل للتطبيق، لكن التجربة البشرية تمضي من العبودية إلى الديمقراطية، بمعنى أن كل شيء ممكن.
ويرى أن الأفكار الطوباوية الجديدة كالقضاء على الفقر عن طريق الدخل الأساسي الشامل أو تحويل ساعات العمل إلى 15 ساعة فقط في الأسبوع يمكن أن تصبح حقيقة في حياتنا، بل تعود بنتائج أفضل على البشر، وهذا هو السبيل لإيجاد عالم مثالي.
يقول بريجمان عن حديثه الأخير في دافوس، إنه ربما أشعر البعض بعدم الرضا أو الحرج، "وكأن هناك فيلًا في الغرفة"، فالناس تتحدث عن المناخ والنسوية والتعليم وغيرها دون الوصول إلى جذور الأزمة، فالعمل الخيري رائع لكنه ليس البديل أو الحل الجذري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق