20‏/12‏/2018

الأمريكي كورت فونجيت .. أحد أهم رواد الأدب الساخر و الناقد أو المعروف بالكوميديا السوداء وصاحب رواية المسلخ رقم خمسة مقال بقلم هشام بودراhibo


يعد كورت فونجيت الإبن من أهم رواد الأدب الناقد و اللاذع للمجتمع الصناعي و أمراء الحرب و الذي يعتبر إمتدادا للأدب الإنجليزي و الأمريكي الذي بدأ يسخر على طريقة مارك توين من عصر الآلة في أواخر القرن التاسع عشر و ما يعرف عند العامة بالكوميديا السوداء ..
فمن هو كورت فونجيت الإبن ؟ و الذي أثارت أفكاره و قصصه و تصرفاته الكثير من الجدل في أمريكا !!
ولد كورت فونجيت في الحادي عشر من نوفمبر من سنة 1922في ولاية إنديانا الأمريكية و تعود أصول أجداده إلى ألمانيا .. أحب الكتابة منذ نشأته حيث عمل على إصدار أول جريدة مدرسية  له بإسم الصدى اليومي حينما كان تلميذا في مدرسة شورتردج في إنديانا .. و حينما إلتحق بالجامعة في شعبة الكيمياء الحيوية في جامعة كورنيل لمدة سنتين من 1941و1942فقد عين أثناء دراسته كمساعد لتحرير جريدة الجامعة المسمى شمس كورنيل اليومية .. و يعتبر كورت أنه قضى أفضل أيامه في الجامعة حينما كان يعمل في تحرير جريدة الشمس ..
و في سنة 1943درس كورت في معهد كارنجي للتكنولوجيا الذي أصبح اليوم جامعة كارنجي ميلون .. و في عام 1944و خاصة في عيد الأمهات أقدمت أمه أديث على الإنتحار .. سبب إنتحار أمه إضطرابات نفسية طاردت كورت لباقي حياته الكئيبة .. و أورثته صراعا طويلا مع الحياة ..
إلتحق كورت بالجيش و ثم تعيينه في الكتيبة 106مشاة .. و أثناء إحدى المعارك فقد الإتصال بكتيبته و تاه في أرض المعركة إلى أن سقط في قبضة القوات النازية الألمانية و كان ذلك في 14ديسمبر 1944و في سجنه بدريسدن شهد على القصف المدمر لمدينة دريسدن يومي 13و14من شهر فبراير 1945و يعتبر كورت نفسه محظوظا بنجاته هو 6آسرى أمريكيين من القصف المدمر بفضل مخزن لحوم تحت أرض زراعية كان معروفا بإسم المسلخ خمسة .. الذي الإسم الذي سيكون سببا في أعمق مآسيه و سببا في مجده و شهرته أيضا..
بعد الدمار المطلق سخره الألمان رفقت الآسرى الأخرين على دفن جثث المدنيين.. لكن العدد كان كبيرا لدرجة يستحيل دفنهم حتى جماعيا فقررت القوات النازية لحرق جميع الجثث بإستعمال القاذفات الملتهبة ..
كتب كورت في هذا الصدد:(كان عدد الجثث أكبر من أن يحصى أو يدفن حتى جماعيا ، في مجزرة لا يمكن فهمها أو إستعابها )
في مايو 1945تحرر كورت من الأسر على يد الجيش الأحمر .. و عاد إلى أمريكا التي منحته وسام القلب الأرجواني .. فإنتقد الوسام وسخر منه مسميا إياه بالجرح التافه والسخيف ..
ترسخت تجربته في دريسدن و إستولت على أفكاره مشكلة هاجسا أدبيا واقعيا في تجربته الأدبية حيث جعلها محور أساسيا في أهم و أشهر قصة في حياته وهي المسلخ خمسة .. كما حضرت تجربته هذه في عدة تجارب قصصية أخرى له ..
بعد الحرب إنتسب كورت لجامعة شيكاغو في تخصص الأنتروبولوجيا .. وقدم أطروحته في الفن التكعيبي و علاقته بالإنتفاضات الأمريكية ولكن الجامعة رفضت أطروحته و لكن عاد فيما بعد و حصل على شهادة الدكتوراة في أطروحت الدلالات الأنثروبولوجية لقصته مهد القطة ..
و أثناء دراسته في الجامعة عمل في نفس الوقت كمراسل شرطة في مكتب أخبار مدينة شيكاغو.. بعد جامعة شيكاغو عمل كورت في العلاقات العامة في جنرال إلكتريك .. كما كان نشيطا في الجمعيات الإنسانية ..
علاقاته العاطفية :
تزوج كورت بحب طفولته جين ماري و ربى أطفالها الثلاثة .. كما تبنى أبناء أخته الأربعة بعد وفاتها بداء السرطان ..
هجر كورت زوجته الأولى سنة 1970و عاش مع صديقته كمنتز التي تزوجها بعد طلاقه من زوجته الأولى سنة 1979
لكورت إبن واحد من صلبه سماه بمارك تيمنا بمارك توين .. ألف إبنه كتابا تحدث فيه عن تجربته مع الذهان و ميله لدراسة الطب و البيولوجيا و ظنه أن الجنون وراثي في عائلته..
أسلوبه و إنتاجه الأدبي : 
كان كورت متأثرا بشكل كبير بمارك توين و أدبه المتمثل في النقد اللاذع والكوميدية السوداء  و يعده بمثابة قديس أمريكي .. 
كما عرف على كورت تأثره بالقادة الإشتراكيين أمثال باورز هابغود و يوجين دبس و ليون تروتسكي و عبر عن حبه لهم بتسمية بعض أبطال قصصه بأسمائهم ..
لجأ في معظم قصصه إلى الخيال العلمي ليعبر عن مدى خوفه من سيطرت الآلة على مجرى الحياة .. فقد كتب سنة 1959قصة بعنوان البيانو الآلي تدور القصة حينما يستبدل فيها البشر بالآلات  و يتحرك فيها الناس كالآلات المعطلة و المكسورة .. لتتحول الحياة إلى ما يشبه تكبيس أزرار كما هو العزف على البيانو .. لأن المتحكمين في مجرى الحياة مجموعة من المترفين الأثرياء التافهين .. يعيشون على لذة ألينة البشر ..
و نشر كورت في الستينيات قصة صفارات الإنذار تيتان التي أعتبرت تحولا في مساره الأدبي .. و لاقت نجاحا و إنتشارا سريعا ..
و في سنة 1969أصدر كورت قصته الأشهر في مساره الأدبي المسلخ خمسة مستعيدا مشاهد الحرب العالمية الثانية في دريسدن بأسلوبه الخيالي الخاص به .. تحولت هذه القصة لفيلم في سنة 1972
في سنة1971ألف قصة مهد القطة 
و في سنة 1973ألف قصته السيئة حسب تعبيره فطور الأبطال و تتمحور القصة حول السفر عبر الزمن عبر إختراع بشري خيالي يجعل الناس تغير تركيبة البلور الثلجي من دون أن يتمكنوا من العودة به إلى حالته الطبيعية حاول كورت التطرق إلى هوس البشر بالتقنية و عدم إهتمامهم بما قد ينتج عنها من دما وهلاك .. صنفت هذه القصة الأسوء في تاريخه الأدبي .. لم يسلم كورت نفسه من نقده اللاذع فنراه هنا يكتب : 
هذا كتاب سيء جدا .. هذا الذي تكتبه 
قلت أعرف
أنت تخاف أن تنتحر كما فعلت أمك 
قلت أعرف
أعتبرت مجلة التايم قصة المسلخ خمسة ضمن أفضل الروايات الأمريكية في القرن العشرين..
قواعد كتابة القصة عند كورت:
و ضع كورت ثماني قواعد هي كالتالي؛
1-تلاعب بالوقت بطريقة غريبة حتى لا يشعر القارئ بأن هناك هدرا للوقت..
2-أعط القارئ شخصية واحدة على الأقل يرغب في نصرتها و نجاحها ..
3-كل شخصية تريد شيئا .. حتى ولو كوب من الماء ..
4- كل جملة يجب أن تؤدي دورا من إثنين .. إظهار شخصية، أو تطوير الحماسة..
5-دع البداية تكون قريبة من النهاية ما أمكن ..
6- مهما كانت شخصيتك الرئيسية جميلة وبريئة ، كن ساديا معها .. دع الأحداث المريعة تعذبها ، ليرى القارئ كيف ستتعامل مع هذه المصائب..
7-اكتب لتبهج شخصا واحدا على الأقل 
8- أعط قراءك أكبر قدر من المعلومات بأقرب فرصة ممكنة .. ليتساءل القراء بحماسة .. يجب أن يمتلكوا فهما كاملا لما يحدث .. ومتى ؟ و أين ؟ فيمكنهم بذلك إنهاء القصة بأنفسهم ..
يعلق على قواعده ساخرا ..
دع الصراصير تأكل الصفحات القليلة الأخيرة..
ثم يعقب إن الكاتب الأمريكي الكبير فلانري أوكونور .. كسر جميع هذه القواعد بإستثناء الأولى .. و إن كبار الكتاب يطمحون لفعل ذلك أيضا..
مواقفه السياسية :
- دافع طيلة حياته على الحريات المدنية .. وكان رئيسا فخريا للجمعية الإنسانية الأمريكية ..
- عارض حرب فيتنام 
- صب جام غضبه في مقالات عديدة على بوش الإبن وإدارته واصفا إياهم بالشمبانزي  السكران و هو عالق على سلك كهربائي .. و كان من أشد المعارضين لحرب العراق الثانية واصفا إدارة بوش بالجهل بالتاريخ و الجغرافيا و هدفها جني الأموال من أجل أبناء المترفين و لو على جثث الأبرياء ...
- و اتهم  النظام الأمريكي بمعاملة المثقفين الذين يعارضون سياستها .. كمعاملة دول العالم الثالث لمثقفيها ..
علاقة كورت بالموت: 
عاش كورت طيلة حياته يعاني من اضطربات  نفسية رجح البعض أسبابها إلى التاريخ الجنوني لعائلة كورت .. و رجح البعض السبب لإنتحار أمه في ريعان شبابه  .. و ما تعرض له من أهوال أثناء آسره في الحرب العالمية الثانية..
حاول كورت سنة 1984الإنتحار بإستعمال الكحول و الحبوب المنومة.. و لكنه نجا و تطرق للموضوع في عدة مقالات .. و إستمر يدخن ويشرب الكحول بشراهة معبرا عن ذلك بقوله أن التدخين طريقة راقية في الإنتحار البطيء..
في سنة 2000تعرض منزله للحريق و كاد يفارق الحياة بسبب إستنشاقه الدخان .. لكنه نجا هذه المرة أيضا ..
و في 11من أبريل من سنة 2007تعرض كورت لحادث منزلي تسبب بإرتجاج في الدماغ .. و هذه المرة لم ينجوا بل إلتقى الموت الذي إنتظر قدومه منذ زمن طويل..
رحل كورت و عمره يناهز الرابعة و الثمانين .. مخلفا إرثا ثقافيا خالدا...


هناك 3 تعليقات: