23‏/08‏/2018

قصة قصيرة : سر المنزل المهجور بقلم هشام بودرا hibo

لطالما مررت من قرب ذلك المنزل الكبير و المهجور من سنين طوال و الذي تصدعت و تهدمت أجزاء واسعة من أسواره المحيطة به  ، و لطالما تساءلت عن سره خصوصا أن المنطقة بمجملها تحولت إلى مباني شاهقة و عقارات فاخرة ، و رغم توحش المنعشين العقاريين في المنطقة إلا أن لا أحد منهم تجرئ على الإقتراب من ذاك المنزل  المكون من  ثلاث طوابق .. و إختلفت الروايات التي سمعتها عنه بين من يدعي أن قبيلة من الجن تستوطنه و أن أصواتا مزعجة و ضجيج حاد تصدر من داخله كل مدة من الزمن ، حددت غالبا في الليل .. و هناك من يروي حديثا أخر حول المنزل و يدور عن صاحبه الذي بناه منذ زمن بعيد و يدعى عباس .. و لأسباب غامضة إرتكب عباس جريمة قتل في حق زوجته و بناته الثلاث ليقدم بعدها على الإنتحار برمي نفسه من سطح المنزل .. و يستمر السرد أن عباس كان ساحرا و بسبب خطئ ما إنتقمت منه العفاريت التي كان يستعين بها في مزاولة أعماله السحرية .. لكن يبقى كل هذه القصص مجرد أحديث متداولة لأن لا وجود لدليل على صدقيتها .. فقد قمت بالبحث في أرشيف الصحف لذاك الزمن لكن لم أعثر على أي معلومة تتحدث عن الجريمة المنسوبة لعباس .. حتى ظننت أن قصة الجن هي الأقرب إلى الصواب حتى إلتقيت بشاب  يدعى ياسين يعمل في مقهى راقي بمنطقة تواجد المنزل  أخبرني بأن جده إبراهيم عاش في هذه المنطقة في طفولته و ربما يملك  حقيقة سر المنزل المهجور .. و كانت فرصة رائعة للتواصل مع شخص عاش في المنطقة في ذاك الزمن ، و بعد أن إنتهى ياسين من دوامه الصباحي بالمقهى توجهنا معا بسيارتي الخاصة للمكان الذي يقطن به الجد إبراهيم .. فرحب بنا الجد بسعادة في شقته بينما أعدت زوجته لنا الشاي  الساخن بكل فرح .. و هناك بادرت الجد إبراهيم بعدة أسئلة حول سر ذاك المنزل .. خلالها  شخص بصره لوهلة إلى سقف الغرفة التي كنا نجلس بها .. و بدا كمن يحاول إسترجاع ذكريات الماضي إلى جلستنا .. ثم إسترسل حديثه .. نعم .. مازلت أتذكر .. كما لو حدث ذلك منذ أيام فقط .. لقد كنت في السادسة عشر من عمري حينما قام الخائن عباس ببناء ذاك المنزل بعد أن ورث بقعة الارض و الكثير من الأموال من والدته المتوفية .. إلا أن عباس كان ذو سلوك و أخلاق ذميمة و مقارعته للخمر  على الدوام و بشكل علني .. كما عرف بمعاملته القادسية و الإحتقارية لزوجته و بناته الثلاثة .. وبعد مدة من إقامته في المنزل شاع الخبر الصاعقة في المنطقة و التي كانت أقرب إلى الأحياء الشعبية  في ذاك الزمن على خلاف اليوم .. لقد راجت بين أفواه الساكنة أن عباس يمارس الفاحشة مع بناته .. و كان رجال المنطقة يريدون تلقينه  درسا لا ينسى لولا خوفهم من الإعتقال و رميهم في السجن من طرف شرطة الإستعمار و التي كانت تتخد من عباس عميلا  لها على رجال المقاومة من المناطق الشعبية .. و إنتشر الخبر كالنار في الهشيم في كل المدينة .. ما جعل عباس يكن في منزله  و يقلل من ظهوره العلني تجنبا لنظرات الناس الحادة و المفعمة بالكره نحوه .. و ذات يوم .. و تحت جنح الظلام .. غادر عباس المنطقة مرفوقا بزوجته و بناته بعد أن أحكم غلق المنزل جيدا .. و بعد مدة من الوقت لم تتجاوز الخمسة أشهر  ، إذ خيب عباس ظن البعض بعدم عودته مطلقا للمنطقة .. عاد عباس  لكن لوحده هذه المرة إلى منزله الكبير لم يكن في حالته الطبيعية .. بدا عليه التوتر و الهذيان و كان يهلوس بكلام غير واضح أو مفهوم .. حتى ظن البعض أنه جن .. و إختلفت الروايات في مصير زوجته وبناته .. و بعد عودته بأسبوع إستيقظ السكان على نبأ إنتحار عباس برمي نفسه من سطح المنزل .. و تكفلت البلدية التابعة للإستعمار بدفنه بعد عزوف جميع الساكنة عن المشاركة في عملية الدفن .. و بقى سر إختفاء الزوجة و البنات يحير الجميع .. إلى أن طوى الزمن حكاية عباس .. و هذا كل ما أستطيع أن أخبرك به .. شكرت السيد إبراهيم عن نبل أخلاقه و حسن إستقباله لي في شقته .. و تبادر في ذهني أثناء المغادرة .. أن قصة عباس ثم تحريفها مع مرور الزمن لإضافة مزيد من الإثارة و الخوف في نفوس العامة .. مر يومين على سماع أقوال السيد إبراهيم و أظن حان الوقت لأقوم بمجازفة إقتحام المنزل و كشف أسراره من الداخل .. رغم رفض مدير تحرير الجريدة التي أعمل بها كمحقق صحفي هذا الإقتراح ... كان معكم علي شوقي محقق صحفي ...
السطور السابقة الذكر حول المنزل المهجور تعود لعلي شوقي محقق صحفي ، عثر عليها في مذكراته في شقته قبل ولوجه للمنزل المهجور .. و إختفاءه في ظروف غامضة من يومها .. أي معلومات تتوفر عندكم عن قضية علي شوقي يرجى التواصل مع مدير الجريدة أو الشرطة .. و يبقى التحقيق مستمرا حتى عودة علي شوقي ..
نشر هذا التقرير في الجريدة التي كان علي يعمل بها كصحفي محقق أملا في العثور على أي بادرة أمل في عودته إلى أهله و الجسم الصحفي كافة ..
تنويه :
رغم التحقيقات التي أجرتها الشرطة في قضية علي شوقي .. فإن الشرطة رفضت إقتحام المنزل بحجة عدم قانونيته و ذلك لعدم وجود ملاك للمبنى المذكور و الذي مازال مسجلا في الإدارة العقارية للمدينة  بإسم عباس إلى حدود الساعة..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق