12‏/06‏/2018

قصة قصيرة : فارس في زمن الأكاذيب بقلم هشام بودرا

في زمن من الأزمان  كان هناك ديكتاتور متجبر متحجر العقل و قاسي  الفؤاد لا يقبل الحوار أو النصيحة ، كان حكمه يسود  بلاد شاسعة ، يضيق شعبها أصنافا من العذاب و المهانة و الإحتقار و سوء التدبير و التسيير ، و لكي لا يفر أحد من قبضة حكمه  الفاسد  .. إدعى بمساعدت كهنته و رجال بلاطه .. أن وراء الجبال الشاهقة العلو  التي تحد الإمبراطورية التي ترزح تحت جبروته هناك يستوطن تنين عملاق برؤوس لا تعد و لا تحصى يتلذذ و يعشق أكل لحوم البشر و وراء مكان إستطان التنين هناك إمبراطورية الجحيم المستعرة  بالنار و التي تنتظر الفارين العصاة لشويهم .. كانا هذان السببان كفيلان لمنع أي شخص التفكير في الفرار من حكمه هو  و زبانيته .. إلى أن قرر شاب شجاع مقدام  التبحر في العلم و المعرفة في مجتمع يسود فيه الجهل و التخلف .. فقضى سنين في الإطلاع و البحث و دراسة مختلف العلوم  حتى يكتشف الأكاذيب و الخدع التي تعتمد عليها  كتب عالم الكهنة الخدم الأوفياء للديكتاتور  .. ما سخر له إمتلاك الزاد المعرفي الكافي لتسؤلاته  .. و قرر خود غمار التجربة و المجازفة و التوجه وراء الجبال الشاسعة التي تحد الإمبراطورية .. ليكتشف الحقيقة .. فالطريق للحقيقة يبدء بالشك هكذا ترسخت هذه الفكرة في ذهن بطلنا ..  جهز نفسه بالعدة و العتاد اللازمين   و سلك طرق و دروب ملتوية لكي لا ينكشف أمره و بعد عدة أيام تجاوز الجبال فلم يجد سوى الطبيعة الخلابة الباهرة و ينابيع المياه الرقراقة  و أصناف لا تعد و تحصى من الطيور المزركشة بالألوان الخلابة صانعة في السماء و على الأشجار  لوحة فنية فسيفسائية تفوق روعتها الأوصاف .. إنشرحت أسارير الشاب و إختلجته سعادة لا توصف بعد أن إكتشف أن التنين دو الرؤوس ليس سوى خدعة إختلقها نظام الديكتاتور و الكهنة الأوفياء  .. أكمل الشاب رحلته الإكتشافية إلى أن قادته أقدامه إلى إمبراطورية عظيمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. فأول ما تبادر إلى ذهن بطلنا أنه ربما  ولج الجنة  ،بنايات شاهقة مرصوصة بإثقان ،  حدائق شاسعة مزركشة بأصناف من الألوان الباهية   ، شوارع واسعة متناسقة ، أزقة  نظيفة  ،كل شيء مرتب حتى أتفه الأشياء و أكثر ما إستمال نظره صفاء سريرة سكان الإمبراطورية وسماتهم البشوشة  و إبتسامتهم في وجه بعضهم البعض بشكل دائم مع كلمات التحية المقتضبة و المحترمة  المتبادلة بينهم كأنها جزء من أوكسجين حياتهم ، و بعد أن إكتشفت شرطة الإمبراطورية أمر بطلنا ثم التعامل معه بحسن و لين و اقتيد إلى حاكم الإمبراطورية  و الذي أكرمه و إستضافه في قصره .. حكى الشاب للإمبراطور العادل سر رحلته و رغبته بالعودة لإنقاذ شعبه من براثم الديكتاتور وزبانيته   و فضح خدع و كذب الكهنة  ، حاول الإمبراطور العادل ثنيه عن مغامرة العودة  فقد يفقد حياته إذا إنكشف أمره ، لكن إصراره على المجازفة  من أجل إنقاذ شعبه جعلت الإمبراطور العادل يكن له الإحترام و التقدير و منحه أعلى  وسام  إمبراطوري و تمنى له التوفيق في مساعيه ، عاد الشاب إلى وطنه و مارس دوره في إثارة الشعب و فضح ألاعب و خدع و حيل الكهنة و الديكتاتور و زبانيته .. إلا أنه  لم يجد من الشعب  إلا الجفاء و التكذيب و إتهامات له بالخيانة  .. ليكتشف أمره  فيما بعد من طرف شرطة نظام الديكتاتور حيث اقتيد للتحقيق فأذاقوه أصناف متنوعة من التعذيب .. و قبل أن يلفض أنفاسه أمر  الديكتاتور بصلبه في ساحة عامة حتى الموت و إحراقه على الصليب ليكون عبرة للعلمين ، و إدعى الكهنة الأوفياء  أن الشاب المقتول على الصليب كان شيطانا لعينا جاء ليضل الشعب و يقودهم إلى التهلكة .. كانت هذه الأكذوبة الجديدة لها وقع مؤثر و مريح على نفوس الشعب المسلوب الإرادة .. عاش الشعب عشرات السنين كالدواب في وطن يسوده القهر و الظلم و  الفساد  من كل صوب و حدب ، يقطنونه غصبا عنهم كسجن كبير مترامي الأطراف  و إستمرت سلالة الديكتاتور في الحكم و إستمرت أكذوبة الكهنة حول التنين دو الرؤوس و إمبراطورية الجحيم المستعرة بالنار الخالدة خلف تلك الجبال الشاهقة الإرتفاع .. فهل سيظهر فارس أخر يوقد سراج الشك الذي يقود إلى  الحقيقة  .. ؟ إن الزمن كفيل بالإجابة على هذا التساؤل. .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق