23‏/11‏/2018

وفاء العصافير مقال بقلم هشام بودراhibo


السيدة  تريزا جيوشيلي ذات الثمانين عاما و التي تعيش لوحدها .. و التي لا يؤنسها  في منزلها سوى عصفورين كناريين صغيرين  هما كارلا و بولا و اللذان يملأن المنزل بصفيرهما .. و بينما كانت تريزا في المطبخ إذ بها تفقد توازنها و تسقط بسبب عوامل الشيخوخة البادية عليها .. و بينما كانت تريزا في وضعها و قد خارت قوتها و بدت تحس بفقدان لوعيها حدثت نفسها لثواني .. ماذا سيكون مصير كارلا و بولا و أنا راقدة هنا لا أستطيع الحراك أو الإستغاثة ؟
و ظنت أن رحلة حياتها شارفت على النهاية .. و ربما لا يكتشف وفاتها إلا بعد أيام طويلة  فإستجمعت ما تبقى لها من قوى خائرة و زحفت رغم الآلام الشديدة التي تشعر بها .. إلى أن وصلت في إتجاه القفص الصغير الذي يعيش فيه صديقاها كارلا و بولا .. كان هدف تريزا هو فتح القفص لإخراجهم منه لأنها لا تريد لهما أن يموتا من الجوع والعطش !
تمكنت تريزا من فتح القفص و خرج الصديقان و انطلقا عبر نافذة المطبخ الصغيرة .. ثم أغمي علىها بعد ذلك المجهود الكبير الذي قامت به ..
و لكن الأمر العجيب هو أن كارلا و بولا لم يتركا تريزا بل وقفا فوق سور شرفة المنزل المطلة على الشارع و شرعا في الغناء و التصفير و راحا يملآن الشارع الغناء ..
و لفت هذا المنظر المبهم و الغير المألوف أنظار الجيران .. فقد تعودوا على أن يروا  كارلا و بولا داخل القفص و ليس خارج منزل تريزا !!
و أشفق الجيران على العصفورين من الضياع في وسط بيئة لم يألفاها .. فتوجه الجيران إلى منزل تريزا و إسترسلوا  في طرق باب المنزل .. و لكن لا مجيب .. فشك الجيران في مصير تريزا .. فإتصلوا بالإسعاف و الشرطة و فتح باب البيت أخيرا .. و قد كانت تريزا مغمى عليها و مصابة بكسور في ساقها .. و ثم نقلها إلى المستشفى للعلاج بشكل عاجل ..
و حينما إستفاقت تريزا من غيبوبتها .. قالت و هي تتطلع إلى عصفوريها الجميلين كارلا و بولا .. كنت أعرف أنهما كل ما تبقى لي في هذه الدنيا .. لقد أنقذا حياتي !
قال رجال الشرطة و هم يتطلعون في إعجاب إلى هذا الوفاء : هل تعلمين يا سيدتي أن صديقيك قد عادا إلى القفص عندما أدركا أنك لم تعودي وحدك ! 
بمجرد وصولنا لعين المكان و أثناء حملك إلى المستشفى .. فوجئنا بهما يعودان إلى قفصهما .. فعدنا نغلق الباب عليهما .. و حملناهما إليك ليكونا بجوارك عندما تفتحين عينيك مرة أخرى على الحياة .. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق