مازالت قضية تصفية و إغتيال الرئيس اليمني إبراهيم الحمدي الذي حكم اليمن من سنة 1974إلى سنة 1977تثير الكثير من الجدل إلى يومنا هذا .. فالرجل الذي حكم لمدة قصيرة وقتل في ظروف غامضة .. لم تفك طلاسم ألغازها إلى يومنا هذا بعد .. أن ثم تصفية وإغتيال كل من كان شاهدا على واقعة الإغتيال آخرهم الرئيس السابق و الذي قتل على يد حركة الحوثيين في اليمن علي عبدالله صالح..
يعد إبراهيم الحمدي من مواليد سنة 1943في مدينة قعطبة في محافظة إب .. نشأ في أسرة متوسطة و إشتهرت عائلته بالعمل في المجال القضائي .. في صباه تلقى بعض العلوم الدينية .. و إنتسب فيما بعد للمدرسة الحربية .. و لظروف خاصة إنتقل للعمل مع أبيه في محكمة ذمار و كان ذلك في عهد حكم الإمام أحمد يحيى حميد الدين .. الذي حكم اليمن ما بين 1948و 1962و في عهد الرئيس عبدالله السلال نصب الحمدي قائدا لقوات الصاعقة .. ليشغل فيما بعد منصب مسؤول عن المقاطعات الغربية و الشرقية و الوسطى ..
تدرج الحمدي في عدة مناصب سياسية وعسكرية رغم سنه الصغيرة .. ما ولد له عدة عدوات خفية داخل دوائر الحكم .. و في سنة 1972عين نائبا لرئيس الوزراء في الشؤون الداخلية .. .. ثم بعد ذلك نائبا للقائد العام للقوات المسلحة .. في الثالث عشر من يونيو عام 1974سيقود إنقلابا عسكريا أبيضا على القاضي عبدالرحمان الأرياني الرئيس الثاني لليمن .. و قد رأى أن الثورة التي قامت على حكم الإمام .. قد سلكت مجرى لا يخدم مصلحة الوطن بل يخدم مصلحة الحكام و زعماء القبائل .. مؤكدا على رغبته في تصحيح مسار الثورة .. لم ينتج عن إنقلاب الحمدي تصفيات جسدية و تسلم الحكم بشكل سلس .. حيث عمل على إقصاء من شك في رغبتهم في كرسي الحكم من مناصبهم .. و قام بالإستعانة بمجموعة من الضباط ذوي الكفاءات العلمية كان من بينهم المقدم أحمد الغشمي (و الذي سيتهم بأنه كان العقل المدبر لإغتيال الحمدي فيما بعد) و الرائد علي عبد الله صالح ( هناك شكوك حول تورطه في عملية الإغتيال) كما حدد جميع الرتب العسكرية عند رتبة المقدم.. و عمل الحمدي على الحد من سلطات زعماء القبائل و صلاحياتهم في أجهزة الدولة ما ولد له عدوات مباشرة مع فئة لها مكانة كبيرة في المجتمع اليمني القبلي .. كما قام بإنشاء قوة عسكرية تحت قيادة أخيه عبدالله الحمدي.. و في المجال السياسي و الإقتصادي فقد عرفت اليمن أيام حكمه القصيرة طفرة إقتصادية و إجتماعية و تزايد صادرات اليمن من النفط .. كما تلقى مساعدات مهمة من السعودية .. و إشتغل طيلة حكمه على إقامة دولة بمعنى الكلمة من حيث سيادة القانون و تطهير جميع مؤسسات و أجهزة البلاد من الفساد المستشري أنذاك .. و حاول قدر الإمكان من توطيد علاقات قوية ومثينة مع جميع الدول المجاورة لليمن في الجزيرة العربية أو إفريقيا ..
و كان هاجس الوحدة مع الجنوب يخيم على تفكير الحمدي .. فقد عقد عدة إجتماعات سرية مع قادة الجنوب و ثم الإتفاق على التوقيع على إتفاقيات مبدئية للوحدة.. و كان من المقرر أن يقوم الحمدي بزيارة للجنوب للإحتفال بالإستقلال على أن يتم التوقيع الإتفاق النهائي بين الطرفين و رفع علم الوحدة ..
كان هناك تيار داخل أجهزة الحكم (بعض قيادات الجيش) و خارجه (بعض زعماء القبائل) و بعض الدول التي كانت متخوفة من تحول اليمن لنهج الفكر الإشتراكي .. كل هؤلاء كانوا يرون أن الحمدي أصبح يشكل خطرا عليهم جميعا و يسحب البساط من تحت أقدامهم خصوصا بعد الشعبية التي أصبح يحظى بها داخل المجتمع .. و مدى النجاح السياسي و الإقتصادي الذي حققه في فترة حكمه القصيرة ..
و يبقى السؤال المطروح من إغتال الحمدي ..؟!
هناك روايتة إفتراضية يتناقلها اليمنيين و يرجح أنها قريبة من الحقيقة الغائبة إلى يومنا هذا ..
في الحادي عشر من أكتوبر من سنة 1977و قبل سفر الحمدي إلى الجنوب .. في زيارة هي الأولى من نوعها .. تلقى الحمدي إتصالا هاتفيا من نائبه أحمد الغشمي يدعوه لتناول الغذاء معه في منزله الواقع في ضواحي العاصمة اليمنية رفق مجموعة من الشخصيات العسكرية و السياسية و الإجتماعية .. و بعد الغذاء غادر الجميع المكان بإستثناء الحمدي و بعض الضباط المقربين الغمشي من بينهم علي عبدالله صالح (مصدر غير مؤكد) الذي طلب منه الغمشي البقاء لبرهة من الوقت .. و هنا تتعدد الروايات عن ما حدث للرئيس الحمدي أن الضباط حاصروا الحمدي و كبلوه و أكدوا له بأنهم قد تخلصوا من أخيه الذي كان يشكل تهديد لهم .. و أنه مجبر على التوقيع على وثيقة يؤكد فيها التنازل عن الحكم مقابل الإقامة الجبرية .. و يقال أن الحمدي وافق العرض .. لكن الخوف من إنقلاب الحمدي عليهم بمجرد مغادرة المكان خصوصا وأنه له شعبية جماهيرية كبيرة .. فقام الضباط بقتل الحمدي (رواية متأكد منها)
و هناك رواية أخرى يرى فيها اليمنيين أنها الأقرب إلى الحقيقة .. وهي أن الحمد قد ثم إقتياده إلى غرفة سرية أسفل منزل الغمشي و هناك رأى الحمدي أخاه مدرج في دماءه بعدما أن ثم تصفيته .. و بدون محاكمة قام الضباط بأمر من الغمشي بإطلاق وابل من الرصاص على الحمدي الذي سقط صريعا و سقط معه اليمن السعيد إلى يومنا هذا ..
ماذا حدث بعد مقتل الحمدي؟
حاول المغتالون تشويه صمعة الحمدي حيث لفقوا له تهمة أخلاقية من العيار الثقيل .. و قيل بأنهم عثروا على جثة الحمدي وأخاه و معهما جثة فتاتين فرنسيتين .. و ثم طي ملف إغتيالهم إلى مجهول ..
فيما بعد قام الغمشي بسلسلة من التصفيات و الإغتيالات لكل من لهم علاقة بالحمدي لم ينجو منها حتى سكرتير الحمدي الرائد عبد الله الشمسي ..
فيما بعد سيتم إغتيال الغمشي أيضا .. و الدائرة تدور
خلال حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح حاول طيلة حكمه .. أن يقبر هذا الملف .. لكن بعد سقوطه من الحكم أثناء الثورة اليمنية 2011ثم التقدم بطلبات شعبية لفتح ملف إغتيال الحمدي و تورط علي عبدالله صالح في عملية الإغتيال .. لكن إندلاع الحرب الأهلية بين الحوثيين و النظام المعترف به دوليا من جانب و دول التحالف بقيادة السعودية أعيد الملف ليطمس مرة أخرى .. و بإغتيال علي عبدالله صالح على يد الحوثيين يكون أحد أهم الشهود على الحادثة قد قبر و معه أسرار جد هامة عن حقبة مهمة من تاريخ اليمن الحديث ..