04‏/02‏/2019

قصة انتحار أهم بطل قومي في اليابان عقب وفاة الإمبراطور بقلم طه رمضان من تونس

يصنف تقليد جانشي (Junshi) كرمز من رموز الشرف والتضحية لدى اليابانيين ومن خلال هذه العادة يقدم الخدم على الانتحار عقب وفاة سيدهم لإثبات وفائهم له. وفي الأثناء سجّلت عادة جانشي انتشارها بشكل واسع خلال فترة شوغونية توكوغاوا (Tokugawa Shogunate) التي امتدت بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر، حيث لم يتردد الخدم والمساعدون في وضع حد لحياتهم تزامناً مع موت سيدهم سواء خلال المعارك أو لأسباب طبيعية.
وعلى الرغم من نهاية فترة شوغونية توكوغاوا وبداية عهد إصلاحات ميجي (Meiji Restoration) سنة 1868، تواصل تطبيق تقاليد جانشي لدى اليابانيين وخاصة بالجيش فخلال العام 1912 اتجه أبرز جنرال بالجيش الياباني لوضع حد لحياته عقب وفاة الإمبراطور ميجي (Emperor Meiji).
صورة للإمبراطور ميجي
انظم نوجي ماريسوكي (Nogi Maresuke) في حدود العام 1869 للجيش الياباني حيث باشر الأخير تكوينه العسكري وهو في العشرين من عمره قبل أن ينخرط بشكل رسمي في الجيش الإمبراطوري بداية من سنة 1871. وبحلول سنة 1876، أصبح نوجي ماريسوكي عضوا بالقيادة العسكرية للفيلق الياباني بمحافظة كوماموتو (Kumamoto) وخلال العام التالي قاد الأخير فرقة المشاة اليابانية الأولى أثناء قمع ثورة ساتسوما (Satsuma Rebellion) والتي انتهت بسحق مجموعة الساموراي المتمردة على النظام الإمبراطوري.
منتصف ثمانينيات القرن التاسع عشر حصل نوجي ماريسوكي على رتبة جنرال ليغادر على إثر ذلك اليابان نحو ألمانيا ويواصل تكوينه العسكري بإحدى الأكاديميات الألمانية، ويكون بذلك واحدا من أول أفراد الجيش الإمبراطوري الحاصلين على تعليم عسكري أوروبي.
جانب من القوات الروسية خلال الحرب الروسية اليابانية سنة 1904
سنة 1894، شارك الجنرال نوجي ماريسوكي في الحرب الصينية اليابانية الأولى ولعب دورا أساسيا أثناء غزو جزيرة تايوان والتي عيّن كحاكم عسكري عليها ما بين عامي 1896 و1898 قبل أن يعود مجددا لليابان ليتولى قيادة أحد فيالق المشاة.
وفي الأثناء، كسب نوجي ماريسوكي مكانة هامة بوطنه خلال الحرب اليابانية الروسية ما بين عامي 1904 و1905 والتي انتهت بانتصار الجيش الإمبراطوري الياباني. فخلال هذه الحرب، والتي شهدت اعتماد العديد من التقنيات العسكرية الحديثة، قاد نوجي ماريسوكي القوات اليابانية التي تمكنت من هزيمة الروس عند منطقة بورت آرثر (Port Arthur) بالصين قبل أن ينجح في حسم معركة موكدين (Mukden) والتي شهدت انهيار الجيش الروسي.
عقب هذه الانتصارات العسكرية بالحرب اليابانية الروسية تحوّل الجنرال نوجي ماريسوكي إلى بطل قومي باليابان، فضلا عن ذلك أثار هذا الجنرال الياباني ذهول القوى العالمية، التي راقبت المعارك وهزيمة الروس عن كثب بفضل خططه العسكرية. في غضون ذلك راسل نوجي ماريسوكي الإمبراطور الياباني ميجي، المعروف بموتسوهيتو، عقب نهاية الحرب ليقدم اعتذارا عن تسببه في مقتل أكثر من 50 ألف جندي خلال حصار بورت آرثر ويطالب بالسماح له بالانتحار.
صورة للجنرال الياباني نوجي ماريسوكيرسم تخيلي لمحارب ياباني وهو بصدد الإنتحار اعتمادا على طريقة السيبوكو
وفي الأثناء، جاء رد الإمبراطور ميجي بالرفض حيث رفض الأخير السماح للجنرال نوجي ماريسوكي بالانتحار مطالبا إياه بالحفاظ على حياته وصورته المشرفة كبطل قومي لليابان.
يوم الثلاثين من تموز/يوليو سنة 1912، فارق الإمبراطور ميجي الحياة عن عمر يناهز 59 سنة ليخلفه الإمبراطور تايشو (Emperor Taishō) على عرش اليابان. ويوم الثالث عشر من شهر أيلول/سبتمبر سنة 1912 وبالتزامن مع مغادرة الموكب الجنائزي للإمبراطور المتوفى ميجي أقدم الجنرال والبطل القومي نوجي ماريسوكي على الانتحار رفقة زوجته اعتمادا على طريقة السيبوكو والتي يعمد خلالها الفرد على بقر بطنه باستخدام سيف حاد ليثير بذلك حالة من الحزن والذهول هزت كامل أرجاء اليابان. ومن خلال رسالته الأخيرة التي كتبها قبل انتحاره أكد نوجي ماريسوكي أنه حبّذ الانتحار عقب معركة بورت آرثر، ولكنه فضّل الامتثال لأوامر الإمبراطور الذي دعاه للتخلي عن الفكرة.
صورة للإمبراطور تايشوالجنرال الياباني نوجي ماريسوكي وهو جالس وسط الصورة إلى جوار عدد من الجنرالات الروس الذين استسلموا عقب حصار بورت آرثرخبر انتحار الجنرال نوجي ماريسوكي يتصدر عناوين صحينة نيويورك تايمز
مع رحيل الإمبراطور ميجي فضّل نوجي ماريسوكي الانتحار واللحاق بسيده. وعلى إثر بقره لبطنه وتقطيعه لأحشائه، أعاد نوجي ماريسوكي إحياء طريقة الانتحار التقليدية السيبوكو والتي تواصل اعتمادها خلال القرن العشرين خاصة من قبل القادة العسكريين بالجيش الياباني أواخر الحرب العالمية الثانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق