في حدود منتصف القرن الرابع عشر، مر العالم بواحدة من أسوأ الكوارث التي هددت وجود البشرية حيث كانت الإنسانية على موعد مع ظهور وانتشار وباء الطاعون الأسود في أغلب أصقاع العالم القديم.
ما بين عامي 1347 و1351، سجل هذا الوباء ظهوره بالقارة الأوروبية لينتشر في مختلف أرجائها، مسفرا عن وفاة ما لا يقل عن 50 مليون أوروبي.
وسجل الطاعون الأسود بحسب أغلب المؤرخين، ظهوره بصقلية بعد نقله من قبل البحارة على متن السفن التجارية ليمتد نحو بقية المدن الأوروبية ويبلغ تدريجيا الجزر البريطانية عام 1348.
رسم تخيلي لعمليات دفن جثث الموتى أثناء فترة الطاعون الأسود
خلال تلك الفترة، أثارت تسمية الطاعون الأسود الرعب أينما حلت، فقبل بداية انتشار الوباء بأوروبا، تناقل التجار قصصا مرعبة حول أعداد الموتى الهائلة والجثث المنتشرة في الشوارع ومعاناة المرضى بالشرق.
فضلا عن ذلك، تصاعدت حالة الذعر لدى الأوروبيين بسبب جهلهم لأسباب انتشار الطاعون الأسود المرتبطة في حقيقة الأمر بالبراغيث التي نقلتها الفئران بين مختلف المنازل.
رسم تخيلي لعملية إحراق عدد من اليهود بأوروبا خلال العصور الوسطى
وفي حل سيئ، لجأ العديد من الأهالي لمغادرة القرى المصابة ناقلين معهم في ثيابهم وأغراضهم البراغيث المحملة بالمرض نحو المناطق المجاورة.
أمام غياب تفسير منطقي للطاعون الأسود وارتفاع عدد الوفيات بشكل يومي، ألقى الأوروبيون اللوم خلال العصور الوسطى على أشياء متعددة، وشككوا بما أسموه الغضب والعقاب الإلهي فلجأوا لمعاقبة كل من تحوم حوله بعض الشكوك بممارسة السحر والهرطقة عن طريق الحرق، لتندلع بذلك في عديد المدن أعمال عنف انتهت بإحراق الآلاف من اليهود والمهاجرين الأجانب الذين اتهموا أيضا بتسميم آبار الشرب.
رسم تخيلي لأشخاص بصدد جلد أنفسهم بالعصور الوسطى
أمام هذا الوضع، تدخل البابا كليمونت السادس (Clement VI) سنة 1348 ليطالب بوقف أعمال العنف عن طريق المرسوم البابوي Quamvis perfidiam الذي حثّ من خلاله على حماية اليهود ووقف استهدافهم وتلفيق التهم لهم.
بينما لجأ البعض لمعاقبة غيرهم على ظهور الطاعون الأسود، اتجه البعض الآخر لتسليط أقسى العقوبات على أنفسهم في محاولة منهم لوقف ما اعتقدوا بأنه عقاب إلهي مسلط عليهم بسبب تفاقم خطاياهم.
نقش يجسد البابا كليمونت السادس
انطلاقا من ذلك، ظهرت بكل من إيطاليا وشرق أوروبا وألمانيا والأراضي المنخفضة مجموعة من الأشخاص الذين لجأوا لجلد أنفسهم أملا منهم في التكفير عن خطاياهم ووقف انتشار الطاعون الأسود.
وخلال سنوات الوباء، سجلت طقوس هذه المجموعات توسعها لتشمل مختلف أرجاء أوروبا.
صورة للبابا كليمونت السادس
كذلك صنّف الأهالي، بحسب المؤرخين، هذه المجموعات خلال العصور الوسطى كأتقياء ومنقذين، واتجه هؤلاء الأفراد لجلد أنفسهم مرات عديدة يوميا أمام العموم، وأقاموا احتفالات تنقلوا أثناءها من مدينة لأخرى كل 33 يوما ونصف اليوم.
استخدم هؤلاء الأشخاص في الغالب سياطا تكونت من ثلاثة حبال مصنوعة من الجلد، كما لجأ البعض منهم لتثبيت عدد من المسامير عليها لزيادة معاناتهم وتسهيل إراقة دمائهم التي "تبرّك بها الحاضرون"، بحسب اعتقاداتهم.
صورة لقبر البابا كليمونت السادس
أيضا، لم تتردد بعض المجموعات في تغطية وجوهها بقطع من القماش وارتداء ثياب بيضاء مقطعة عند الظهر لإبراز موقع الجلدات على أجسامهم.
في غضون ذلك، رفض البابا كليمونت السادس تصرفات المجموعات التي اتجهت لجلد أنفسها واتهمها بالهرطقة وتقديم آمال كاذبة للمناطق المتضررة من الطاعون الأسود.
رسم تخيلي لأوروبيين بصدد جلد أنفسهم بالعصور الوسطى
وخلال شهر تشرين الأول/أكتوبر سنة 1349، أصدر البابا مرسوما أدان من خلاله هذه المجموعات وهدد بممارسة الحرمان الكنسي ضدها، كما طالب السلطات الكنسية بالتصدي لها ووقفها.
في الأثناء، بدأت أزمة الطاعون الأسود بالانفراج خلال خمسينيات القرن الرابع عشر، حيث لعب تحسّن الوضع والرعاية الصحية والطقس البارد دورا هاما في القضاء على هذا الوباء الذي فتك بنحو ثلث سكان أوروبا.