21‏/06‏/2019

الفنان المصري جورج بهجوري: كنت أتمني أن ألقى التكريم الذي أستحقه

طفل صغير له 10 إخوة، ولد في قرية اسمها »بهجورة»‬ سنة 1932 بنجع حمادي، كان أقصي طموح والديه أن يكون طبيبا.. كيف له أن يغزو القاهرة ليكون أحد نجومها، من خلال مجلتي »‬روز اليوسف» و»‬صباح الخير»، ثم ينتقل إلي فرنسا ليكون واحدا من أهم سبعة عشر فنانا لفن الكاريكاتير علي مستوي العالم؟ وكيف انتقل من فن الكاريكاتير لعالم الفن التشكيلي والأحلام التي تحققت والتي لازال يحلم بها؟
كيف كانت الرحلة.. وكيف تحقق الحلم.. للإجابة علي هذه الأسئلة كان هذا الحوار مع النجم العالمي جورج بهجوري الذي جري بعضه بمرسمه الكائن بشارع معروف بوسط البلد بالقاهرةوالنصف الآخر بمتحفه الجديد بشارع 26 يوليو.
نعود إلي الوراء، إلي الطفل الصغير جورج في قرية بهجورة كيف كانت البداية؟
أنا يتيم. توفيت أمي وأنا لا أزال رضيعا، وتركت في نفسي فراغا هائلا وحساسية، وخجلا ظل ملازما لشخصيتي فترة طويلة، فأنا كما ذكرت من مواليد »‬بهجورة» لي عشرة من الأخوة والأخوات، لم تكن حالتنا المادية ميسورة وكان والدي يحلم أن أصبح طبيبا.
بدأت الرسم في سنواتي الأولي وحين بلغت السادسة كنت أشخبط علي الحائط وأرسم علي الزجاج وأسخر من جدي وجدتي وعماتي والجيران لأن أشكالهم مضحكة بالنسبة لي وتعلمت من ملامحهم المعني الحقيقي للكاريكاتير، كما كنت أرسم المدرسين والزملاء في المدرسة بالطباشير علي السبورة وحوائط المدرسة، ويعود الفضل الكبير لابن خالتي سمعان الذي تعهدني برعايته وشجعني أخي الأكبر جميل، وحين تأكد للجميع حبي للرسم صحبني أخي لمنزل الفنان كمال أمين والذي ألحقني بكلية الفنون الجميلة التي تخرجت فيها عام1955 وأعتبر ما حدث يمثل الحلم الأول من أحلامي التي لا تنتهي أبدا .
من الذي اكتشف نبوغك المبكر في فن الكاريكاتير؟
لا أنسي نصيحة الأستاذ الحسين فوزي الذي ما إن شاهد رسوماتي لم ينهرني وهو يري الخطوط تحاور وتناور وتتمرد علي كل الأساليب التقليدية القديمة، لكنه شجعني قائلا: »‬العب يا ابني بالقلم العب» وفي إحدي المرات قمت برسم كل أصدقائي وعلقت الرسوم الكاريكاتورية علي الحائط وكان بينهم أستاذي العزيز بيكار وكان يشبه القديسين وجهه يشع بهاء ونورا، رسمته وفي طرف أنفه كرة حمراء كما لو كان مهرجا فأخبره الزملاء وما أن شاهد الرسم انخلع قلبي من الخوف، وانتظرت ردة فعل عنيفة تجاهي، إلا أنه ابتهج وقبلني وسط تصفيق كل الحاضرين .
كانت الكلية عامرة بأسماء الأساتذة العظام وعلي رأسهم صلاح طاهر وبيكار وعبد الهادي الجزار وحسين عاصم وجمال السجيني وعشرات الأسماء، لكنني تمردت علي أسلوب الرسم المنهجي للموديل والطبيعة الصامتة، واخترت أن أكون نفسي وربما جينات العند الصعيدي وصلابة إرادتي هي التي منحتني القوة كما كان لوعي بيكار الفضل الأكبر أن أكون مختلفا.
كيف ذهبت إلي روز اليوسف؟
الفضل يعود لأستاذي بيكار الذي قدمني لصاروخان الرسام الأرمني الشهير وأحد الأساطير في عالم الكاريكاتير، وكان صاحب ريشة عملاقة، والذي قال عني أن عيني تري الأشياء بطريقة غريبة غير مألوفة وقدمني إلي الفنان الكبير عبد الغني أبو العينين (المخرج الفني لمجلة صباح الخير ومصمم ملابس فرقة رضا ومكتشف العديد من النجوم في عالم فن الكاريكاتير) هو الذي ألحقني بمجلة روزاليوسف وكان له الفضل علي جيل كامل من الفنانين، فقد التحقت بالمجلة وأنا مازلت طالبا في السنة الثانية ورسمت أغلفتها، وأذكر أنني يوما كنت أرسم كاريكاتيرا فوجدت العملاق إحسان عبد القدوس رئيس التحرير يقف إلي جواري، وكلما كتبت تعليقا أنظر إلي وجهه فأراه ممتعض، فأغير التعليق وأكتب غيره، ثم أنظر إلي وجهه ثانية فأراه لازال ممتعض بقيت طويلا أكتب وأمسح حتي صرخ في وجهي قائلا: »‬يا جورج في الكاريكاتير أنت تعبر عن رأيك وليس رأيي أنا، أكتب ما يحلو لك ولا تهتم بأحد حتي لو كان إحسان عبد القدوس رئيس التحرير»، ولقد كان ذلك أول وأهم درس تعلمته في حياتي، لقد ساعدني إحسان أن أكون حرا في أفكاري وربما ودون قصد منه أصبح بداخلي حالة بحث عن المزيد من الحرية وربما يكون ذلك أحد أسباب هجرتي إلي فرنسا.
هل تذكر عدد المرات التي تسبب فيها كاريكاتيرك في عمل أزمة؟
رد ضاحكا: لا أستطيع حصر عدد المرات، فريشتي التي تحول الوجه إلي كرة منبعجة أو مثلث أو شبه منحرف ببساطة كطفل لم تنم أنامله بعد من فرط حساسيتها للتمرد علي القيود، تسببت مثلا في غضب فريد الأطرش ليلغي إعلان صفحة قيمتها مائة جنيه قرر نشرها في المجلة عن فيلمه الجديد اعتراضا علي رسمي بورتريها لملامحه وروحه كما أراها وتقرر أن أعمل خمسة شهور مجانا تعويضا لهذه الخسارة، ويتصل محمد عبد الوهاب معترضا علي كاريكاتير يجسده وهو خارج من حفلة أم كلثوم وهي تغني أغنية »‬أنت الحب» ويتجه إلي بائع أسطوانات لشراء أغنية »‬أنت عمري» والأغنيات من تلحينه، وكان نقدا موجعا لموسيقار الأجيال، ولم يفلت عضو من أعضاء مجلس قيادة الثورة من ريشتي وكانت الطامة الكبري يوم رسمت جمال عبد الناصر وهو يقوم بتنظيف قبة مجلس الشعب وصلاح سالم يبدو صغيرا كالصبي في يده »‬جردل» الماء واضطر إحسان عبد القدوس إلي تقديم الاعتذارات لكل المشاهير عن رسومي، لكنه كان حصنا منيعا وحامي الحمي لريشتي وإبداعي ولم يوبخني ولو لمرة واحدة، وربما لذلك تجد كل فنان تخرج من مؤسسة روز اليوسف يشعر بحالة من الاعتداد بالنفس والثقة غير موجودة في مبدعي المؤسسات الأخري.
وللحق فإنني رسمت عبد الناصر بأنف مميز يبدو فيه منقضا كالنسر وعيناه تحملان بريقا خاصا لكنه لم يغضب ولكن غضب مني السادات من مواقفي السياسية ورسوماتي، كما غضبت مني السيدة أم كلثوم وطلبت من الفنان الكبير عبد الوهاب أن يتصل بي ويوبخني ويطلب مني الاعتذار برسم جميل يعجبها لكنني لم أفعل (كنت صغيرا ومعتدا بنفسي جدا) اليوم أشعر أن أم كلثوم ليست مطربة أم كلثوم كانت مصر، ورغم أنني لم أعتذر في حينها إلا إنني رسمت أم كلثوم مئات المرات ربما أكثر من 500 مرة بعد ذلك واعتبر كل رسم جديد لها هو اعتذار عن الرسم الذي لم يعجبها، وربما أكون الفنان الوحيد في العالم الذي قام بعمل معرض كامل عن فنانة وبيعت كل الأعمال محبة لأم كلثوم العبقرية التي لن تتكرر بسهولة. وأحب أن أقول لمن يسألني هل شعرت بالزهق من تكرار رسمها؟ أقول له إنني لا أرسم أم كلثوم شكلا ولكن روحا وشجنا واستمتاعا بكل ما تقول، أنا معها أجد نفسي وتسمو روحي وأشعر بمدي حبي لوطني ويمر علي ذهني شريط من الذكريات يبدأ في بهجورة حتي يصل إلي مصر، ثم ينتقل إلي فرنساوعندما أجد الأجانب سعداء بلوحاتي عن أم كلثوم أشعر بسعادة المبدع الذي انتقل إلي العالمية.
كيف يري الفنان بهجوري الوجوه الذي يرسمها؟
كل فنان تشكيلي لديه طفل بداخله يندهش عند رؤية الأشياء، يزيد عليه الطفل الذي بداخل رسام الكاريكاتير أنه أكثر شقاوة ويمسك مرآة سحرية تكشف الوجوه وتفتتها ثم تعيد صياغتها من جديد فأنا من خلال البصر أري الشخص ومن خلال البصيرة أنزع عنه القشرة الخارجية لأرسمه عاريا أمام الناس، هذا الوضوح الذي أضعه في الرسم هو الذي يجعله موجعا جدا لكل شخص يرتدي قناعا زائفا.
لقد غيرت شكل فن البورتريه في مصر والعالم العربي، ولا أستطيع أن أنكر جهود الفنان رجائي ونيس، الفنان الكبير الذي اكتشفته وتزاملنا سويا بمؤسسة روزا ليوسف ومجلة صباح الخير، وهو من القلائل علي مستوي العالم الذين تعجبني رسوماتهم، وافتقد ريشته بشدة حيث أنه قرر أن يعمل في علاج المرضي النفسيين بالرسم وقد نجح في ذلك نجاحا عظيما.
من يتابع كتاباتك ومذكراتك يجد هجوما شديد علي صلاح جاهين لماذا؟
(يضحك بشدة) صلاح جاهين هو الذي أطلق علي أحب لقب إلي قلبي (أبو جريج) ولقد زاملته وقتا طويلا ولا أنكر خفة دمه ولا عبقريته، لكن أيضا للتاريخ أنا الذي علمته فن الكاريكاتير وخطوطه الأولي تشبه رسومي إلي حد كبير ويمكن الحصول علي مجلة صباح الخير في أعدادها الأولي للتحقق من صحة كلامي، وللعلم لم يكن صلاح جاهين ينكر ذلك ولقد كان يقول »‬جورج يرسم الكاريكاتير في دقيقة ويكتب التعليق في ساعة بينما أنا أرسم الكاريكاتير في ساعة وأكتب التعليق في دقيقة» ولعل هذه المقولة أبلغ رد علي كلام المشككين، لكن أحب أن أعترف أن جاهين الذي كان يجلس أمامي أو إلي جواري علي الطاولة ليتعلم سبق الجميع بقدرته علي إيجاد التعليق المناسب للرسم المناسب في الوقت المناسب، كونه شاعرا وسينارست وممثلا، كوكتيل من المواهب الكبيرة، تفتح الراديو تسمعه أو تسمع أغانيه تدخل السينما تشوفه أو تشوف سيناريوهات أفلامه تروح البيت تستريح تشوف الفوازير، تفتح مجلة تفتح جورنال تفتح الحنفية تشوف وتسمع صلاح جاهين، كان نجاحه الساحق أحد أسباب الغيرة، لقد رحل صلاح جاهين ولكن بريقه لم ولن ينطفئ أبدا. تحية إلي هذا الولد العبقري الموهوب، صديقي الذي أحبه والذي كنت أتمني أن يمتد به العمر حتي نستمتع بإنتاجه الفني ورباعياته المدهشة.
لماذا اتجه الفنان بهجوري للفن التشكيلي وماهو موضوع الخط الواحد؟
بالنسبة لاتجاهي للفن التشكيلي، هناك شيء بداخل الفنان يشبه النداهة تناديه وتدفعه دفعا، ندهتني لرسم الكاريكاتير ووجدت نفسي وحققت نجاحا لم أكن أحلم به، عندما ذهبت إلي فرنسا ولدت من جديد ودفعتني النداهة للفن التشكيلي، وللحقيقة فنان الكاريكاتير الجيد يمكنه أن يرسم فنا تشكيليا لكن الفنان التشكيلي مهما كان جيدا لا يستطيع بسهولة أن يرسم كاريكاتيرا وأنا قد حباني الله موهبة كبيرة استطعت من خلالها أن أمارس الاثنين بنفس الدرجة من الاستمتاع، ويجب أن اعترف أنني فيفرنسا شاهدت واقتربت من منابع الفن وكان هناك الجو الذي يسمح بالإبداع كما أن حبي للناس واقترابي منهم جعل فني غير متعال يمكن للبسطاء والصفوة الاستمتاع به وهذه هبة من الله اشكره كثيرا عليها.
أما بالنسبة لموضوع الخط الواحد، فكان أحد أعاجيب بيكاسو أن يضع القلم علي الورقة ولا يحركه قبل أن يكتمل الرسم، وهو موضوع يعتمد علي المران الطويل والبراعة في الرسم وأنا أرسم أكثر من عشر ساعات في اليوم ولا أترك الورقة والقلم إلا عند النوم، لذلك سوف تري في رسومي إحساسا بطزاجة الخط وليونته، ومن خلال الخطوط استطعت رسم العالم كله والتعبير عنه وأجمل ما قيل عني »‬بيكاسو شجرة كبيرة وبهجوري أحد فروعها».
جورج الذي يعيش نصف العام في فرنسا كيف يتحمل هذا الضجيج حول مرسمه؟
أنا أسكن بحي معروف ومرسمي علي بعد شارع من بيتي، في البداية كنت أشعر بهذه الضوضاء وكانت سببا في هروب الوحي أو الإلهام أو إحساسي بالعزلة والهدوء الذي يبحث عنهما الفنان لكن مع الوقت والاعتياد ومحبتي للصنايعية والسمكرية أصحاب الورش أصبح هذا الضجيج يمثل لحنا للحياة يطربني، وقد شعرت بذلك في يوم الأحد وهو يوم إجازة الورش لا أعرف أن أمارس أي نوع من أنواع الإبداع، صرت انتظر عودتهم كي أعود لممارسة الفن. وبالمناسبة اقتربت منهم ورسمتهم جميعا وفي القهوة المجاورة للمرسم هناك لوحتان إهداء مني كي يستمتع كل روادها مجانا بالفن، واللوحتان واحدة لأم كلثوم والثانية لاثنين يلعبان الطاولة ويشربان الشيشة والشاي.
يستكمل ضاحكا: بهذه اللوحات أصبح اسم القهوة »‬قهوة بهجوري». اللوحات علي الحائط جعلت للشاي طعما مختلفا، وأنا مدين لها ولناس حي معروف بمئات الاسكتشات التي تشم فيها رائحة هذا الوطن.
احك لي عن حادثة طريفة لها علاقة بهؤلاء البسطاء وعلاقتهم بفنك؟
في إحدي المرات كنت أجلس علي القهوة فطلب مني ماسح الأحذية أن أخلع حذائي ليقوم بتلميعه فرفضت وطلبت منه أن يمسحه وهو في قدمي، كان شكله يروق لي فرسمته بشكله الصعيدي المنحوت من علي جدران المعابد، خاصة إنني لمحت في عينيه بريق كبرياء، وكان حريصا علي أن يلمع الحذاء ليعود كما كان جديدا ودار بيننا حديث طويل كنت أحاول أن أجعله يستمر أطول وقت ممكن وأعطيته ما طلب من المال وأكثر قليلا، وصعدت إلي مرسمي وقررت أن أعيد الاسكتش السريع وأحوله إلي لوحة، واندمجت طويلا في الرسم وما إن انتهيت حتي جاءني صديق أعجبه العمل وقرر أن يشتريه وبالفعل دفع مبلغا ضخما من المال وضعته في جيبي وأنا في طريقي للمنزل شاهدت ماسح الأحذية مرة أخري وشعرت أنني سرقته، فناديت عليه وأخرجت مبلغا كبيرا من المال وأعطيته له كان الرجل غير مصدق وتصور إنني مجنون، بينما أكملت أنا طريقي إلي البيت وأنا أتحسس جيبي والنقود وأقول لنفسي: »‬إنه يستحق أكثر من ذلك بكثير».
كيف يري بهجوري فن الكاريكاتير الآن؟
الكاريكاتير في أزمة بعد وفاة الفنانين الكبار جاهين وبهجت عثمان وحجازي ومحيي الدين اللباد ومصطفي حسين وأحمد طوغان ورءوف عياد وتوقف الأهرام عن نشر رسومي بها، هؤلاء الكبار كانوا أصحاب الريادة وصعب وجود بديل لهم خاصة وأن هناك حالة تضييق علي وجود فنانين لفن الكاريكاتير بالجرائد والمجلات والمواقع الإلكترونية، ولولا رسم بعض الشباب الهواة علي صفحات التواصل الاجتماعي لحدثت أزمة أكبر، ومع ذلك أشعر أن هناك نورا في نهاية النفق المظلم كل يوم تأتيني دعوة لملتقي عربي للكاريكاتير بمصر وتونس والجزائر والمغرب والكويت هناك نشاط ملحوظ واهتمام من الفنانين أنفسهم، يحاولون جادين أن ينتظموا في عمل كبير يجمعهم.
كان لك تجربة مع مدرسة الكاريكاتير في تونس، ما هو انطباعك عنها؟
اكتشفت هناك حالة حالمة لعودة الأمل لفن الكاريكاتير. إنهم يقومون بدعوة فنانين كبار من كل أنحاء الوطن العربي كي يقدموا تجاربهم الإبداعية للشباب الصغير، ولأنني أحب الأحلام أتمني لهم النجاح، صديقي وحيد هنتاتي، المستشار الثقافي والمبدع الساخر، والحكواتي عبد الرزاق كمون.. وبقية المبدعين هناك أتمني لهم النجاح.
رغم حديثك عن عدم تكريمك في مصر إلا أن هناك مسابقة تحمل اسمك؟
تم تكريمي في الملتقي الدولي للكاريكاتير وكان ذلك من خلال أصدقائي أعضاء الجمعية المصرية للكاريكاتير، وكان يرأسها صديقي الفنان الكبير طوغان الذي توفي قبل أن يسلمني الجائزة فاستلمتها من الفنان الكبير جمعة فرحات وسط احتفال كبير من كل رسامي الكاريكاتير في الوطن العربي ولقد تحمس الأصدقاء جميعا لفكرتك وهي عمل جائزة لفن البورتريه الكاريكاتوري وكان القرار بالإجماع أن يرسم جميع الفنانين جورج البهجوري، أنا الذي رسمت الجميع، أصبحت في مرمي الجميع، وجاءتنا رسوم عديدة أكثر من خمسمائة رسم يسخرون مني بشكل أثار إعجابي وكانت الجائزة في العام الأول لفنان العراق الكبير علي المندلاوي وقد خصصت لجنة التحكيم المكونة مني ومن الفنان جمعة فرحات ومعنا الفنان سامي أمين المشرف الفني لمجلة »‬صباح الخير» عمل جائزة ثانية للفنان أنس اللقيص منلبنان وذلك لإعجابنا بأعماله التي أرسلها وكانت أكثر من عشرة أعمال، وفي العام التالي كانت الشخصية المقترحة »‬أم كلثوم» فاز بها الفنان علي حسين من البحرين والجائزة الثانية كانت من نصيب منصور البكري من العراق، ولعل أجمل مافي هذه الجائزة أنها محايدة.
ما يحزنني أن هذا التكريم جاء من الأصدقاء وليس من الدولة بعد كل هذه السنين (87) عاما وكم الجوائز الذي حصلت عليها من أنحاء العالم. كنت أتمني أن ألقي التكريم الذي أستحقه، لقد بذلت مجهودا جبارا من أجل فن الكاريكاتير، أو تحريك المياه الراكدة في الحركة التشكيلية ولقد ذهبت إلي كل مكان في العالم، وكنت أحمل مصر بقلبي وعقلي، كل أبناء جيلي تم تكريمهم وأنا أسمع وعود من كل وزير ثقافة يجلس علي الكرسي لكن لا شئ يتحقق، وأنا لا أبحث عن تقدير مادي، أنا أعيش مع زوجتي وظروفي المادية في أفضل حال وأعيش من بيع لوحاتي التي أصبحت مطلوبة وتمثل أحد أهم القوي الناعمة وجسر تواصل بين مصر وكل المتابعين للفن التشكيلي في الوطن العربي ويتم الاحتفاء بي في كل مكان، لكني أريد أن يتم تكريمي في مصر وأنا لازلت علي قيد الحياة وأرسم حتي هذه اللحظة.
لماذا فكرت في عمل متحف لك ولأعمالك؟
كنت أتمني أن تقوم الدولة بهذا العمل حيث أنني أعلنت أكثر من مرة أنني سوف أقدم أعمالي هدية للدولة علي أن يتم الاهتمام بها في متحف يليق بتاريخي الفني، لكن هناك مسافة كبيرة بين ما تسمعه من وعود وبين ما يحدث علي أرض الواقع، ولأنني أحترم فني وتاريخي قررت أن أقوم بهذا الجهد وعمري (87) عاما، أحمل لوحاتي علي كتفي وأذهب بها إلي شارع 26 يوليو، كي أكون قريبا من المتحف المصري، كنت أريد أن أقول للجميع إن جورج ابن بهجورة هو حفيد هؤلاء العظام ولقد تركوا أعمالهم في المتحف المصري وأنا تركت أعمالي في متحفي بشارع 26 يوليو، ومن خلال جريدة أخبار الأدب أنا أدعو جميع عشاق الفن التشكيلي في العالم لزيارة متحفي ومشاهدة أعمالي عن قرب ولطلبة الفنون والهواة، هؤلاء هم جائزتي الحقيقية وفرحتي التي تملأ حياتي بالبهجة .
المتحف تجسيد لروح وبيئة ووجوه مصر، ورصد لرحلاتي وانطباعاتي من مصر إلي باريس ومن باريسإلي مصر حاولت توثيق شمس شرق العالم وقمر غرب العالم، أمي الأولي هي مصر وابني الكبير نهر النيل لأنني ابن طمية، الوجوه تضم ألوان النيل بالكامل، يشعر رواد المتحف أنهم في زيارة لقدامي المصريين، المتحف ليس لي ولكنه لمصر، إرث الفراعنة، وهو ليس تخليد جورج بهجوري إنما هو سيرة بصرية عن مشاهداتي خلال 50 سنة وانطباعاتي عن بلدي وإحساسي بكل التفاصيل حتي بالقهوة والشيشة والشارع وحبي لمصر وللنيل.
في المتحف تفاصيل لوجوه مصر »‬أيقونات بهجوري» وليست »‬أيقونات الفيوم»، وقد حاولت عقد مقارنة بيني وبين ذاتي من خلال أيقوناتي الخاصة وكان لدي أمل أن أنتصر علي أيقونات الفيوم التي لها روعة لم أستطع الوصول لها، خشيت جمال القدماء وحاولت التواصل معهم والانتصار عليهم وأقمت حوارًا معهم إلي أنا وقفت، أحببت أم كلثوم وعصرها وكنت فخورا برحلتي، المتحف هو تكوين لابني الحقيقي في الحياة.
في نهاية حديثي معك ماذا تحب أن تقول ؟
شكرا لكل من أحب أعمالي وتابعها بشغف، لقد كنت أنت الصديق الوفي وطاقة الأمل التي جعلتني أستمر، شكرا لكل من اقتني لي عملا فلولاك ما اكتملت المسيرة.
شكرا لأساتذتي وكل من وقف إلي جواري، شكرا لشريكة عمري، كنتِ نعم السند
المصدر: موقع اخبار الادب المصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق